العبور نحو الاستقلال

22– محرم – 1445هـ الموافق 9 – 8 -2023م

خاص / الارتقاء

عندما احتل البريطانيون شبه الجزيرة الهندية في القرن السابع عشر، أسسوا مراكز تجارية باسم شركة الهند الشرقية البريطانية، ومن خلال تلك الشركة تمكَّنت بريطانيا من السيطرة على معظم أراضي الهند، حتى جرى إخضاع الهند للحكم البريطاني المباشر في عام 1858.

وفي عودة جديدة لسيناريو الاستعمار القديم تسعى العديد من دول العالم الى تكرار تجاربها السابقة في هذا المضمار نظرا للتحديات الاقتصادية التي يشهدها العالم، فيما انضمت بعض البلدان النامية الى تلك التطلعات للهدف ذاته، سيما من تفتقر الى بنى اقتصادية مستدامة مثل الزراعة، إلا أن الجديد في ذلك انه يتمتع نوعا ما بمشروعية ايجابية كفلتها المنظمات الدولية خصوصا أن الأمر يسوى بالتراضي بين الأطراف المعنية، وبقناعة تامة من قبل الدول غير القادرة على استثمار أراضيها وثرواتها بالشكل المطلوب.

وغالبًا ما يتم تبرير الزراعة الصناعية – التي تزيد من كمية المنتج النهائي على حساب التنوع البيولوجي والبيئة – بالحجة القائلة بأنه يتعين علينا إطعام العالم. لكن الحقيقة تقول أن هذه طريقة خاطئة ويجب أن يُسمح للناس بإطعام أنفسهم، بدل أن تحتكر شركات ضخمة هذا الأمر وتملي على الناس كيف يدبّرون زراعتهم الغذائية.

لذلك حرصت العديد من الدول على رسم خطط وسياسات تنموية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وانفقت استثمارات كبيرة من أجل إنجاح هذه الاستراتيجية، فهو صمام أمان الدول في ظل عالم مضطرب مشتعل بالأزمات السياسية والاقتصادية التي تحدث فجأة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة.

وهناك مجموعة من الأسس والقواعد التي يجب اعتمادها من طرف الدولة الراغبة في تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني من هذه الأسس بناء اقتصاد مستقل غير مدين ولا يعتمد على سياسات المنح والمساعدات الخارجية، إن قدرة الاقتصاد على النمو والتطور بعيدا عن الديون الخارجية هو مؤشر قوي على قوة الاقتصاد واستقلاليته ، ومن بين الأسس التي تساعد على تحقيق الاكتفاء الذاتي أيضا ما يعرف بسياسة “التنويع” وهي قدرة الدولة على توزيع مصادر الدخل من القطاعات الأكثر انتاجا نحو القطاعات الأقل انتاجا من أجل دعم هذه الأخيرة ومساعدتها على التحسين في أدائها للمساهمة في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي.

كما تشمل الأسس التي يقوم عليها بناء الاكتفاء الذاتي القدرة على الاستفادة من الموارد الطبيعية للدولة وذلك من خلال سياسات تشغيل فعالة وقوية إضافة إلى تدفق الاستثمارات في المشاريع التي تعتمد تشغيل الموارد الطبيعية خاصة الأراضي الزراعية، والاعتماد على مصادرها الطبيعية وثروتها البشرية في خلق مشاريع اقتصادية منتجة تسهم في تغطية حاجيات السوق المحلية من المواد الأساسية كما توفر فرص عملا لقطاعات واسعة من الناس.

إن صناعة الوعي بأهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي للدول يعتبر أهم خطوة نحو استقلاليتها وقدرتها على رسم مستقبل أكثرا أمانا لها ولشعبها.

مقالات قد تعجبك